إدارة التفاوض – الجزء الرابع

|

حسين يونس

تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام نوازل عصيبة جرَّاء ما يحدث في فلسطين … وبالتحديد في مدينة غزة الصامدة، قتل وتدمير وسفك للدماء وتخاذل الشرفاء وتقصير الأولياء، ومع كل هذه الأزمات لا يسعك أن تكتب حرفاً واحداً من شدة ما يعتريك من إحباط، ناهيك عن شعور الغضب والرغبة في الإنتقام وفعل شيء ما وأنت عاجز مُكبَّل لا تستطيع فعل شيء مباشر يُنقذ الأمة المظلومة، كما يُخيم عليك شعور بالحزن واليأس والضعف والوهن … الله المستعان وعليه التُكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لكن وبين كل ركام هذا الظلام القاتم الذي تشهده أمتنا اليوم، قرأت مقالة في مدونة شبايك حمل عنوانها أبيات شعر لأبي العلاء المعري: ( غيرُ مُجدٍ في ملّتي واعتقادي، نوح باكٍ ولا ترنم شاد ) أنعشت فؤادي وعلمت من خلالها أني لابد لي من الإستمرار في عمل ما قد خططت له مُسبقاً، وأن لا أجعل اليأس يسيطر علي ولا على مشروعاتي التي ستساعدني وتساعد أمتي بكل تأكيد على النهوض من ركودها بإذن الله تعالى.

نكمل اليوم مع النقطة الثانية من تقنيات إدارة التفاوض: ( أظهر الدهشة والذهول عند العرض الأول )، ففي وقت عرض المقترحات وبالتحديد عندما يقوم الطرف الآخر بعرض مقترحه، وبدون أن تنطق بكلمة أظهر نوعاً من الدهشة والإنبهار معتمداً على حركات الوجه وإيماءات الجسد، هذا سيعطي إنطباعاً للطرف الآخر أنك تعتقد بأن عرضه ليس منطقياً وغير مقبول من قِـبَـلِـك، فالمفاوضين المحنكين يعلمون تماماً أنه لابد لهم دائماً من إجفال ردة فعلهم الأولى مع إظهار الإنبهار والدهشة لمقترحات الطرف الآخر.

تخيل ماذا يحدث عندما تلتقي برسام في إحدى طرقات المنتجع الصيفي أثناء إجازتك ولم يعلن عن أي سعر لرسم اللوحة، وتسأله كم يكلف رسم اللوحة؟ فيجيبك 100 ريال، إذا لم تظهر إندهاشاً حول سعره ستكون كلمته التالية ( وهنالك 50 ريال إضافية إذا أردتها ملونة! )، فعندما يقوم من حولك بتقديم عروضهم إليك سيراقبون للوهلة الأولى ردة فعلك على عروضهم، ففي أغلب الأحيان هم لا يتوقعون أنك ستقبل عروضهم مباشرةً من دون تفاوض، هم فقط ألقوا بعرضهم بين يديك ليروا ردة فعلك الأولى كيف ستكون.

في مثل هذه المواقف، الطرف الآخر قد لا يتوقع اللحظة التي قد توافق فيها على العرض، ولكنك إذا لم تظهر جفلة مع إندهاش … سينطلق في التفكير آلياً مخاطباً نفسه: ( من المحتمل أن أكون قادراً على إقناعه من أن يمضي قُدُماً مع العرض، أنا لا أتوقع منه أن يقبله، لذلك سأكون مفاوضاً صارماً لأرى لأي مدى يمكنني الصمود في التفاوض ).

من الممتع في التفاوض أن تفاوض وأنت على دراية بعرض الطرف الآخر، فالتفاوض يبدأ وكلا الطرفين يحاول أن يجعل الطرف الآخر يُلقي بما في جعبته على الطاولة أولاً، ولكن بعد حين لابد لأحد الطرفين أن يُذيب الجليد ويبدأ بالطرح، فالبائع يمكن أن يقترح الحد الأعلى للمبلغ الذي يمكنه الوصول إليه مثل 2 مليون ريال، وهذا المبلغ أعلى من الحد المتوقع للعميل، ويتوقع أن العميل سيبدأ بالضحك ويقول بعض الكلمات مثل: ( هل تعتقد حقاً أني سأدفع لك هذا المبلغ؟! عرضك غير واقعي ولا يقبله المنطق! )، وبدلاً من ذلك، صمت العميل ولم يُظهر أي إندهاش سوى أنه قال: ( أعتقد أنني لست جاهزاً لمبلغ بهذا الحجم ) … بعبارة أخرى … تغير مجرى التفاوض، فقد كان البائع على إستعداد للهبوط بحدة إلى أقل من 500 ألف ريال، وعوضاً عن ذلك وبعد سماع رد العميل ونبرة صوته، قرر البائع أن يكون صارماً في التفاوض وأن ينزل قليلاً بالمبلغ إلى 1,8 مليون ريال ويثبت عليه بقوة.

الإندهاش والإجفال في ردات الفعل مهمة وحرجة جداً، لأن معظم الأشخاص يؤمنون بما يرون أكثر مما يسمعون، والحاسة البصرية تهيمن على معظم الأشخاص الذين تتعامل معهم أكثر من الحاسة السمعية، فمن الأفضل والأكثر أماناً لك أن تفترض بأن من تفاوضهم هم من البصريين، لأن دراسات ( البرمجة اللغوية العصبيةNeuro-Linguistic Programming ) تشير إلى أنَّ 70% من الناس بصريون.

إستذكر النقاط الرئيسية التالية لتقنية ( أظهر الدهشة والذهول عند العرض الأول ):

  1. من المحتمل أن الطرف الآخر لا يتوقع الحصول على ما طلبه من الوهلة الأولى، ولكن إذا لم تُظهر إندهاشاً وإجفالاً في ردات فعلك على عرضه، فمن المحتمل أن يحصل على ما طلبه بالفعل.
  2. تنازل الطرف الآخر عادةً ما يكون بعد إظهار الإندهاش والجفول من قِـبَـلك، فإذا لم تفعل … ستمكنه من أن يكون مفاوضاً صارماً.
  3. إفترض دائماً بأن الطرف الآخر بصري، ما لم يكن لديك شيء آخر تعلمه عنه يمكنك أن تعتمده.
  4. حتى لو لم تكن المفاوضات مع الطرف الآخر وجهاً لوجه، مازال بإمكانك إظهار الإندهاش والجفول عبر المحادثة الهاتفية والتي من الممكن أن تكون فعَّالة جداً أيضاً.

ولنا وقفات أخرى في تقنيات إدارة التفاوض في الأسابيع المقبلة بإذن الله.

المراجع:

 

أضف تعليق